فصل: 211- باب استحباب سجود الشكر عِنْدَ حصول نعمة ظاهرة أَو اندفاع بلية ظاهرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.211- باب استحباب سجود الشكر عِنْدَ حصول نعمة ظاهرة أَو اندفاع بلية ظاهرة:

1159- عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكّةَ نُريدُ المَدِينَةَ، فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَاءَ نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا الله سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا، فَمَكَثَ طَويلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا- فَعَلَهُ ثَلاثًا- وقال: «إنِّي سَألتُ رَبِّي، وَشَفَعْتُ لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأسِي، فَسَألْتُ رَبِّي لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأسِي، فَسَألْتُ رَبِّي لأُمَّتِي، فَأعْطَانِي الثُّلثَ الآخَرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي». رواه أَبُو داود.
في هذا الحديث: مشروعية سجود الشكر....
وفيه: استحباب رفع اليدين في الدعاء.
وفيه: تكرير السجود بتكرر المقتضي له.
وفيه: بشارة بأن جميع المؤمنين لا يخلدون في النار.

.212- باب فضل قيام الليل:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
التهجُّد: الصلاة في الليل وقراءة القرآن بعد النوم.
وقوله تعالى: {نَافِلَةً لَّكَ}، أي: واجب عليك دون الأمة، قاله، ابن عباس.
والمقام المحمود: مقام الشفاعة يوم القيامة يحمده به الأولون والآخرون.
وقال تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ} [السجدة: 16] الآية.
أي: يقومون لصلاة الليل وهم المتهجِّدون، وفي حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17] الآية.
وروى البغوي وغيره: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلَّى العشاء في جماعة، كان كمن قام نصف ليلة، ومن صلَّى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة»
.
وقال تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].
أي: كان هجوعهم قليلًا من الليل.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال رجل من بني تميم لأبي: يَا أبا أسامة، صفة لا أجدها فينا، ذكر الله تعالى قومًا فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ?، ونحن والله قليلًا من الليل ما نقوم، فقال له أبي رضي الله عنه: طوبى لمن رقد إذا نعس واتقى الله إذا استيقظ.
1160- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا، يَا رَسُولَ الله، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ؟ قَالَ: «أفَلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»!. متفقٌ عَلَيْهِ.
وَعَن المُغِيرَةِ بن شُعبة نَحْوهُ متفقٌ عَلَيْهِ.
هذا السؤال من عائشة عن حكمة التشمر والدأب في الطاعة، وهو مغفور له، فبين صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك شكرًا لله عز وجل.
1161- وعن علي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلًا، فَقَالَ: «أَلا تُصَلِّيَانِ؟». متفقٌ عَلَيْهِ.
«طَرَقَهُ»: أتَاهُ لَيْلًا.
وفي هذا الحديث: فضل صلاة الليل، لإيقاظه صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة من نومهما للصلاة، واختياره لهما تلك الفضيلة على الدعة والسكون.
1162- وعن سالم بن عبدِ الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيِهِ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ». قَالَ سالِم: فَكَانَ عَبدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ لا يَنامُ مِنَ اللَّيلِ إِلا قَلِيلًا. متفقٌ عَلَيْهِ.
هذا الحديث: له قصة، وهي أن ابن عمر قال: إن رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقصونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، وأنا غلام حديث السَّنَّ وبيتي المسجد قبل أن أنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء.
فلما اضطجعت ليلة قلت: اللهم إن كنت تعلم فيَّ خيرًا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحدٍ منهما مقمعة من حديد يقبلا بي إلى جهنم وأنا بينهما، أدعوا الله: اللَّهُمَّ أعوذ بك من جهنم، ثم أُراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد. فقال: لن تراع، نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة، فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرن البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالًا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالًا من قريش، فانصرفوا بي عن ذات يمين، فقصصتها على حفصة فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عبد الله رجل صالح». فقال نافع: لم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة. وفي رواية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».
1163- وعن عبد الله بن عَمرو بن العاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبدَ اللهِ، لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
فيه: كراهة قطع ما يعتاده الإنسان من أعمال البر لغير عذر.
1164- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أصْبَحَ، قَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيطَانُ في أُذُنَيْهِ»- أَوْ قَالَ: «في أُذُنِهِ»-. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: أن إهمال حق الله إنما ينشأ عن تمكن الشيطان من الإنسان، حتى يحول بينه وبين الأعمال الصالحة. قيل: كان رجل يكذب بهذا الحديث فنام حتى االفجر فقام والبول يسيل من أذنه.
1165- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ، إِذَا هُوَ نَامَ، ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ، فَإن اسْتَيقَظَ، فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى انحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإنْ تَوَضّأ، انْحَلّتْ عُقدَةٌ، فَإنْ صَلَّى، انْحَلَّتْ عُقَدُهُ، فَأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإلا أصْبحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«قافية الرَّأس»: آخِرُهُ.
في هذا الحديث: الحثُّ على قيام الليل، وعسف النفس حتى تذل وتخرج من وثاق الشيطان.
1166- وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ: أفْشُوا السَّلامَ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: بشارة لمن فعل ذلك بدخول الجنة ابتداء بغير حساب ولا عذاب.
1167- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ: صَلاَةُ اللَّيْلِ». رواه مسلم.
في صلاة الليل فوائد كثيرة، وخصائص في غيرها.
منها: أنه وقت السكون، والخشوع، والخضوع، مع ما فيه من البعد عن الرياء.
ومنها: نزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدينا.
ومنها: تواطؤ القلب واللسان على القراءة كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6].
1168- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «مثنى مثنى»، أي: ركعتان، ركعتان، أي: يسلم من كل ركعتين، ويوتر بركعة واحدة، ويجوز الوصل كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة.
1169- وعنه قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. متفقٌ عَلَيْهِ.
1170- وعن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لا تَشَاءُ أنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأيْتَهُ، وَلا نَائِمًا إِلا رَأيْتَهُ. رواه البخاري.
قال الحافظ: لم يكن لتهجده وقت معين بل بحسب ما يتيسر له القيام.
1171- وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً- تَعْنِي في اللَّيلِ- يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حَتَّى يَأتِيَهُ المُنَادِي للصَلاَةِ. رواه البخاري.
في هذا الحديث: مشروعية تطويل صلاة الليل في قيامها وركوعها وسجودها.
1172- وعنها قالت: مَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَزيدُ- في رَمَضَانَ وَلا في غَيْرِهِ- عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أرْبَعًا فَلا تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعًا فَلا تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا. فَقُلتُ: يَا رسولَ اللهِ، أتَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ فَقال: «يَا عَائِشَة، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم يديم التهجُّد في رمضان وفي غيره، ولكنه إذا أراد الزيادة أطال الصلاة.
وفيه: أنه لا ينبغي النوم قبل الوتر، إلا لمن وثق بالقيام.
1173- وعنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ أوّلَ اللَّيلِ، وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: أن غالب أحواله صلى الله عليه وسلم نوم أول الليل وقيام آخره.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1: 4].
1174- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْر سوءٍ! قيلَ: مَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أنْ أجِلْسَ وَأدَعَهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: مشروعية تطويل القيام في صلاة الليل.
1175- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البَقرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلِّي بِهَا في رَكْعَةٍ فَمَضَى، فقلتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقرَأُ مُتَرَسِّلًا: إِذَا مَرَّ بآيةٍ فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ» فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ» ثُمَّ قَامَ طَويلًا قَريبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» فَكَانَ سجُودُهُ قَريبًا مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم.
في هذا الحديث: مشروعية التطويل في جميع أركان صلاة الليل، قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
1176- وعن جابر رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الصَّلاَةِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ القُنُوتِ». رواه مسلم.
المراد بـ «القنوتِ»: القِيام.
في هذا الحديث: دليل على فضل تطويل القيام في صلاة الليل؛ لأنه محل قراءة القرآن، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول القيام في الليل، أكثر من تطويل السجود.
1177- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ، وَأحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَومًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
كان عبد الله بن عمرو من المتعبِّدين، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: والله لأصومنَّ النهار، ولأقومنَّ الليل ما عشت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم...» الحديث.
قال الخطابي: محصل قصة عبد الله بن عمرو، أنَّ الله لم يتعبد عبده بالصوم خاصة، بل تعبده بأنواع من العبادات، فلو استفرغ جهده لقصَّر في غيره، فالأولى الاقتصاد فيه، ليستبقى بعض القوة في غيره.
قال الحافظ: وفيها: النهي عن التعمق في العبادة لما يخشى من إفضائه إلى الملل أو ترك البعض.
قال المهلب: كان داود عليه السلام يجم نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه: هل من سائل فأعطيه سؤاله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل.
وفيه: من المصلحة، استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط.
1178- وعن جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْألُ الله تَعَالَى خَيْرًا مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلا أعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». رواه مسلم.
فيه: الحثُّ على ادعاء في الليل، رجاء مصادفة ساعة الإِجابة وأحرى ما تكون في النصف الأخير.
1179- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحِ الصَّلاَةَ بركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». رواه مسلم.
قيل: الحكمة في هذه الركعتين إذهاب ما قد يبقى في الجسد من كسل النوم.
1180- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. رواه مسلم.
ثبتت هذه السنة بقول النبي صلى الله عليه وسلم وبفعله.
1181- وعنها رضي الله عنها قالت: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِن اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشرَةَ ركْعَةً. رواه مسلم.
فيه: استحباب قضاء الفوائت من النوافل المؤقتة، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة.
1182- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فيما بَيْنَ صَلاَةِ الفَجْرِ وصلاة الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ». رواه مسلم.
فيه: استحباب تدارك ما فات من النفل المؤقت.
1183- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّى وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّتْ وَأيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإن أبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
في هذا الحديث: الحثُّ على التعاون على الطاعة، وقد قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
1184- وعنه وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنهما قالا: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا- أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا في الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
في هذا الحديث: فضيلة أمر الرجل أهله بصلاة النوافل والتطوعات كما في الفرض.
وفي: مشروعية الجماعة فيها.
1185- وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلاَةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإنَّ أحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
فيه: الندب إلى الرقاد إذا غلبه النعاس؛ لأن لب الصلاة الخشوع فيها، والحضور مع الله عزَّ وجلّ، وإنما يكون ذلك مع النشاط وصحة اللُّب، وسلامته من الكسل.
1186- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَاسْتَعْجَمَ القُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِع». رواه مسلم.
استعجم: التبس، والمعنى: أن غلبة النعاس عليه تمنعه من تدبر القرآن.